ترك لنا سيد البلغاء علي عليه السلام ثروة عظيمة من الفكر و الأدب و الأخلاق و العلم مما لا يجاريه فيها أحد غيره سوى من كان أفضل الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه و آله
و من الآثار الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام و التي يطيب لي دوما ً قراءتها ، نهج البلاغة ، مع ما به من خطب وحكم لو أتخذناها منهاجا ً لحياتنا لضمنا خير الدنيا و الآخرة ، و لكن هيهات هيهات فهناك شيطان يتربص بنا قد سلمناه مفاتيح أنفسنا
دعونا اليوم نقرأ هذه الصفحة من نهج البلاغة حول الموت ، كيف يكون ، ذلك اللغز الكبير و الذي نرهبه جميعنا و لكن لا نعمل من أجل اليوم الذي يزورنا فيه
يقول علي عليه السلام بعد كلام له عن تهافت الناس على الدنيا
(( ....اجتمعت عليهم سكرة الموت و حسرة الفوت ، ففترت لها أطرافهم ، و تغيرت لها ألوانهم ، ثم ازداد الموت فيهم ولوجا ، فحيل بين أحدهم و بين منطقه ، و إنه لبين أهله ينظر ببصره ، و يسمع بأذنه ، على صحة من عقله ، و بقاء من لبه ، يفكر فيما أفنى عمره ، و فيم أذهب دهره ، و يتذكر أموالا ً جمعها أغمض في مطالبها ، و أخذها من مصرحاتها و مشتبهاتها ، قد لزمته تبعات جمعها ، و اشرف على فراقها ، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها و يتمتعون بها ، فيكون المهنأ لغيره ، , العبء على ظهره ، و المرء قد غلقت رهونه ، فهو يعض يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره ، و يزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره ، و يتمنى أن الذي كان يغبطه بها و يحسده عليها قد حازها دونه 0
فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه ، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ، و لا يسمع بسمعه ، يردد طرفه بالنظر في وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم و لا يسمع رجع كلامهم ، ثم ازداد الموت التصاقا به فقبض بصره كما قبض سمعه ، و خرجت الروح من جسده ، فصار جيفة بين أهله قد أوحشوا من جانبه ، و تباعدوا من قربه ، لا يسعد باكيا ، و لا يجيب داعيا ً ، ثم حملوه إلى مخط في الأرض ، و اسلموه فيه إلى عمله ، و انقطعوا عن زورته .. ))
هذا هو الموت يبدأ بالأطراف فتفتر تلك القوة الجبارة و تتغير الألوان لهول ما نزل بها ، ثم يؤخذ باللسان ، هذا العضو الذي يوميا ً نستخدمه فيما يسيء و نحن نحسب أننا نحسن صنعا ، ينظر هذا الطريح إلى أهله و يسمع ما يقولون و لكن لا يستطيع جوابا ً
ثم يذهب سمعه ، يالله هل نتصور ذلك الموقف ، ننظر إلى أهلينا و نرى شفاههم تتحرك و لكن لا نسمع ما يقولون
ثم تكون المرحلة الأخيرة يذهب هذا البصر و تخرج هذه الروح ، لأن هناك من كان أقرب له من حبل الوريد و لكن لم نشعر به ، يدخل هذا الملاك ليأخذ هذه الروح و إذا ما سمع البكاة على الميت تعجب منهم و قال : لم تبكون و لي رجعة بعد أخرى حتى لا أبقي منكم أحدا 0000
و لا بد من يوم سنمر به بهذه المراحل فهل أستعدينا له ؟؟؟
والسموحة منكم